الأربعاء، 18 مارس 2009

"ضغوط العمل والنسيان"



يوسف القبلان
هذا خبر يستحق الصفحة الأولى فقد نسي وزير الماني زوجته التي كانت معه في السيارة بعد التوقف في استراحة على الطريق، وعندما عاد إلى السيارة واصل الرحلة ولم يتذكر زوجته إلا بعد أن قطع مسافة خمسة كيلومترات حسب زعم الوزير (الزوج).
هذا الخبر الطريف جدير بالتعليق فإذا كان الزوج يستحق عقاب الزوجة التي اكتفت في البداية بأن أشاحت بوجهها عنه تمهيداً لعقاب أشد فيما بعد فإن الوزير ربما يستحق التقدير من قبل رئيس الحكومة فقد أشغلته مهامه الرسمية عن مسؤولياته العائلية، وعن أقرب الناس إليه.
وإذا كان الوزير الألماني قد انفضح بحكم مركزه السياسي، فما أكثر الذين ينسون أنفسهم فالنسيان لايرتبط بفئة معينة من الناس ولكنه يسيطر على الجميع وهو صفة بشرية لها ايجابيات وسلبيات وأحياناً يكون النسيان نعمة عندما يتعلق الأمر بالكوارث وفقدان أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء.
النسيان قادر على اختراق عملية تنظيم الوقت، فالإنسان المشغول الغارق بالمهام الذي ينقل عمله إلى منزله هو الأقرب فيما يبدو إلى النسيان وتجده عندما تتحدث إليه مشغول الذهن بشيء آخر وقد يضع الأشياء في أماكن معينة ثم لا يتذكر هذه الأماكن عندما يبحث عنها.
هذا الإنسان المشغول لا ينسى أن يسأل أبناءه عن المراحل الدراسية التي وصلوا إليها قبل قيامه بزيارة عائلية وذلك كي يعد نفسه جيداً للإجابة عن الأسئلة العائلية المتوقعة، وهذا النوع من النسيان هو نسيان مرتبط بالإهمال.
وإذا كان النسيان نعمة كونه يساعدنا في نسيان المواقف الأليمة فإنه نقمة إذا كان يؤدي إلى التأثير على عمل الإنسان، وعلى أسرته، وعلاقاته الاجتماعية، والحفاظ على واجباته وحقوقه.
يعرف النسيان بأنه عدم القدرة على استرجاع المعلومة المناسبة في الوقت المناسب وأحد الأسباب النسيان كما يرى المختصون هي كثرة المسؤوليات وضغوط العمل التي تؤدي إلى الإرهاق وتشتت الذهن، فالإرهاق البدني يؤثر على القدرات الذهنية، ويمكن ملاحظة ذلك على بعض الموظفين والمديرين، وكذلك على الطلاب أثناء فترة الاختبارات.
وهناك من يقسم النسيان إلى أربعة أقسام هي نسيان الذكر، ونسيان الغفلة، ونسيان السهو، ونسيان فقدان الذاكرة.
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة يوسف: {وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين}.
والنسيان يحدث مع الكبار والصغار فهو لا يرتبط بعمر معين حسب رأي المختصين وحسب ما نراه في وقائع الحياة اليومية، وحتى الأشياء الجميلة مثل (النكات) يصعب أحياناً تذكرها وأصبحت ذاكرة الجوال بديلاً لذاكرة الإنسان، وبنكاً للنكات..
والآن - ما هي علاقة النسيان بضغوط العمل؟
إن العمل بحد ذاته نشاط إنساني صحي ومصدر للرزق، والسعادة، ولكنه في حالة زيادة المسؤوليات مع ضغط الوقت قد يتحول إلى مصدر خطر على صحة الإنسان وينعكس ذلك على علاقاته الأسرية والاجتماعية.
ومن الأخطاء التي نقع فيها في بيئة العمل ان نركز المسؤوليات في شخص واحد أو عدد محدد من المسؤولين وفي هذا توزيع غير عادل وفيه ظلم للمكلفين بالمسؤوليات ولغير المكلفين الذين يعتبرون طاقة بشرية غير مستثمرة.
أحياناً نكافئ الموظف المتحمس المخلص وصاحب القدرات بتحميله ما لا يطيق ومن الطبيعي أن مثل هذا الموظف لن يكون فعالاً في بيته كما هو فعال في عمله ذلك ان معظم وقته موجه للعمل ولن يتوفر لديه وقت لواجباته العائلية ناهيك عن المشاركة في المناسبات الاجتماعية.
وفي الغالب، يرتبط هذا الموظف بعمله برباط المحبة، والطموح، والانتماء ومحاولة اثبات الذات فينقطع من أجل ذلك عن العالم وإذا جاءته دعوة اجتماعية أو عائلية فسوف لن يجد الوقت لتلبيتها أو ربما يجد الوقت ويوافق على المشاركة ثم ينسى.
ليس من مصلحة العمل ولا من مصلحة الإنسان أن تتجمع معظم المسؤوليات عند شخص واحد وإذا كان هذا الأسلوب مجدياً لبعض الوقت فإنه على المدى البعيد يتضمن الكثير من الأخطار ومن ضمنها خطر النسيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق